الیوم تمر 48 سنة علی إستشهاد عروسة کوردستان “لیلی قاسم” رمز المقاومة والنضال والحریة والإباء والتضحیة والجرأة للکوردیات الجریئات في کافة أجزاء کوردستان والشرق الأوسط والعالم!
“لیلی قاسم حسن کلهوري” ولدت عام 1952 في قریة (بانمیل) التابعة لقضاء خانقین من عائلة فقیرة ووطنیة مخلصة، کان والدها یعمل عاملاً بسیطاً في مصفاة خانقین للبترول، بعد تقاعده عام 1971 إنتقل من خانقین للعیش في بغداد من أجل لیلی وإخوتها لإتمام دراستهم هناك، إخوة لیلی (سلام، صفا وصلاح) وأختها (صبیحة) کانوا طلاباً، وکانوا من الطلاب الأذکیاء والأوائل في دراستهم، غیر أن سوء المعیشة والحیاة الصعبة أجبرتهم علی إدارة معیشتهم والعمل جنباً إلی جنب الدراسة.
بدأت الشهیدة لیلی قاسم بدراستها الإبتدائیة عام 1958 في مدینة خانقین، وأکملت دراستها الإبتدائیة والمتوسطة في خانقین، والتحقت بکلیة الآداب قسم الإجتماع في جامعة بغداد.
الظلم والاضطهاد اللذان مورسا بحق الشعب الکوردي منذ فجر التأریخ وعلی ید الحکومات العراقیة المتعاقبة کانا سبباً في انجرار لیلی وآلاف الشباب والشابات الکوردیات للکفاح والنضال من أجل رفع الظلم والغبن اللذان لحقا بهذا الشعب المقهور المظلوم!
بدأت لیلی نضالها ومشوارها الکفاحي في وقت کان یقال بأنه من الصعب بل والمستحیل قیام المرأة الکوردیة بالمقاومة والنضال والکفاح في الجبال والقری والمدن جنباً إلی جنب مع الرجل! وبرهنت للأصدقاء والأعداء أن الوفاء والانتماء لكوردستان أهم من أى شىء آخر، وأن الموت بعز أثمن من الحياة في الذل، کما حاربت المناضلة المبدأ القائل بتفضیل الرجل علی المرأة وکان مما ساعدها علی ذلك تخصصها في المجال الإجتماعي.
ألقي القبض علیها وعلی أربعة من زملائها یوم 28 من نیسان عام 1974، وهم کل من (جواد هماوندي ونریمان فؤاد مستي وحسن محمد رشید -حمە رش- وئازاد سلیمان میران) من قبل الأجهزة الأمنیة القمعیة للنظام البعثي في بغداد.
وعند إعتقالها مع رفاقها تمت إتهامهم بالتخریب وإدانتهم بالقیام بأعمال إرهابیة من خلال وسائل الإعلام المحلیة والقنوات العراقیة وصحیفة الثورة والتي کانت تعتبر لسان حال النظام البعثي، وبدؤوا معها التحقيق مستخدمين كل الأساليب الوحشية وغيرالإنسانية على الإطلاق في محاولة منهم لأخذ الاعترافات منها بقوة تحت أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي إلا أن الشهيدة ليلى قاسم أبدت وبكل صلابة وتحدي لا مثيل لها في ان تقّر بشيء ما أو ان تكشف عن أية معلومة صغيرة كانت أم كبيرة تضّر برفاقها!
وأجریت لهم محکمة صوریة حکمت بالإعدام علیهم شنقاً حتی الموت، آنذاك قام کبار مسؤولي المخابرات العراقیة بمحاولة خطف إعتراف منها بالقول لها: “أکتبي رسالة ندم لرئیس الجمهوریة أحمد حسن البکر مطالبة بالعفو من سیادته معترفة بالخطأ الذي ارتکبته محاولة لتخفیف الحکم من الإعدام، لکون وضعها مغایراً من وضع زملائها” غیر أن المناضلة الکوردیة رفضت هذا العرض وقالت کلمتها المشهورة: أنا أعرف قائداً واحداً فقط وهو الجنرال مصطفی البارزاني، أنا إبنة کوردستان، وأناضل بفخر واعتزاز في صفوف البارتي -الحزب الدیمقراطي الکوردستاني- ولست مستعدة لتقدیم أیة تنازلات خوفاً من الموت ولن أطالب العفو من أي شخص أو جلاد!
قالت لیلی لکبار مسؤولي المخابرات في نظام البعث: بإعدامي سیصحو ویستیقظ آلاف الکورد من نومتهم الطویلة، أنا فخورة جداً ولي الشرف في التضحیة بروحي وجسدي في سبیل تحریر کوردستان!
النظام البعثي الوحشي ولتخویف الشعب الکوردي عامة وفئة الطلاب والشبیبة علی وجه الخصوص، أصدرت وفور محاکمة شکلیة صوریة بعیدة عن السیاقات القانونیة حکم الإعدام للشهیدة لیلی قاسم ورفاقها، کان هذا في وقت لم یمر علی إعتقالهم سوی أسبوعان وذلك بعدما أفقعوا عينها اليمنى و شوّهوا جسدها بصورة فظة من خلال التعذيب الشديد الذي تعرضت له أيام الاعتقال، فتم تنفیذ حکم الإعدام فجر یوم 12 أیارعام 1974 بحقهم ویلتحقون بقافلة شهداء الحریة من أجل کوردستان…
وقبل یوم من إعدام الشهیدة لیلی قاسم وسماح النظام بالزّيارة الأولى لوالدتها وشقيقتها لها بعد سجنها، أوصت الشهیدة أختها بأن تحضر لها في الزّيارة القادمة (مقص وملابسها الکوردیة الجديدة) وبعد أن أحضرت لها ما تريد في الزّيارة الثانية، أخذت المقص وقصّت به خصلاتٍ من شعرها وأهدتها إلى شقيقتها لتبقى ذكرى وشاهدة على نضالها وتحدّيها للموت والطغاة، وأجابت أختها التي سألتها عن سبب طلبها إحضار المقص وثوبها الجديد إجابة ملیئة بالثقة والابتسامة، أختاه ضعي خصلات شعري علی ضريحي لتتنعّم بنسيم حرية كوردستان يوم استقلالها! فسأصبحُ بعد أيّام (عروس كوردستان) لذلك أحبّ أن تحتضنني الأرضُ وأنا بكامل أناقتي!!